الجمعة، 7 مارس 2014

آداب استماع القرآن الكريم



 

قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}
(2) سورة الأنفال .
يذكر الله - تعالى - حال المؤمنين عند استماع آيات القرآن الكريم أنهم يُلقون إليها الأسماع في إصغاء وخشوع، وأدب وخضوع، وصمت وادِّكار، وتفكر واعتبار؛ مؤمنين بأن ما يسمعونه هو كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على سيد المرسلين, فوعاه قلبه، ونطق به لسانه، وبلغّه إلى أمته أداء للأمانة ، وإبلاغاً للرسالة، فرقاناً بين الحق والباطل، هادياً إلى سبيل الرشاد، مبشراً بالوعد الصادق مَنْ أذعن له وأطاع، منذراً بالوعيد العدل مَنْ تمرد عليه وعصى، مذكراً بأيام الله وما خلا من قرون ، ومضى من شئون، ذاكراً ما أعدَّ الله للمتقين من جنات وعيون، ونعيم مقيم، وما أعد للكافرين من نار موقدة، وعذاب دائم أليم.
فترى المؤمنين عند تلاوته وسماعه قد خشعت أصواتهم لرهبته ، ووجلت قلوبهم لخشيته ، وذرفت عيونهم من مخافته ، وأقبلوا على ربهم تائبين ، ومن ذنوبهم مستغفرين، وفي رضاه طامعين ، ومن غضبه وجلين .
ذلك كان شأن الصحابة - رضوان الله عليهم - ، والصدر الأول من المسلمين عند سماع القرآن وتلاوته وذلك ما تشير إليه الآية ، في وصف المؤمنين أنهم إذا ذكر الله بصفات الجلال ، وأنه القاهر فوق عباده ، المنفرد بالقدرة والسلطان والقوة والجبروت - وجلت قلوبهم . وإذا تليت عليهم آياته ، وفقهوا ما في ثناياها من معان وأحكام، وبشارة ونذارة ، ووعد ووعيد ، وعظات وأمثال – قوي يقينهم بالله ، وأقبلوا على ما فيه رضاه ، وأعرضوا عما يسخطه ، ولا يرضاه كما يشير إليه قوله تعالى:
{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف .

قال الشيخ عبدالعظيم بن بدوي - حفظه الله - :([2])
( ولقد أمر الله – سبحانه – النبيين وأتباعهم المؤمنين بالاستماع للوحي عند تلاوته ونهاهم عن الانشغال عن الاستماع لما يوحي بأي شيء ولو بتلاوة الوحى نفسه، قال تعالى لموسى عليه السلام : {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى}
(13) سورة طـه،
وكان النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ عليه جبريل القرآن القرآن تعجل بالقراءة خلفه خشية النسيان، فقال الله : {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}
(16-19) سورة القيامة .
وقال للمؤمنين: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}،
لأنه بالاستماع يحصل الفهم المؤدي للعمل .

ومن أدب الاستماع :
 -  سكون الجوارح .
- غض البصر .
-  الإصغاء بالسمع .
-  حضور القلب .
- العزم على العمل .
فذلك هو الاستماع الذي يحبه الله تعالى ، وهو أن يكف العبد جوارحه ولا يشغلها فيشتغل قلبه عما يسمع ، ويغض طرفه فلا يلهو قلبه بما يرى ، ويحضر عقله فلا يحدث نفسه بشيء سوى ما يستمع إليه ، ويعزم على أن يفهم فيعمل بما فهم .
قال سفيان بن عيينة : أول العلم الاستماع ، ثم الفهم ، ثم الحفظ ، ثم العمل ، ثم النشر ([3]).
فإذا استمع العبد إلى كتاب الله وسنة رسوله رسول الله صلى الله عليه وسلم بنية صادقة كما يحب الله أفهمه الله كما يحب ، وجعل له في قلبه نوراً ، وكان من أهل البشارة التي أمر الله نبيه أن يبشر بها : {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (18) سورة الزمر ،
وهكذا شهد الله لمن يحسن الاستماع إلى كتابه بالهداية والعقل، وذم الذين يسيئون الاستماع إلى الوحي وحكم عليهم بالضلال وشبههم بالأنعام، فقال {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} (16) سورة محمد.
وقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق .
أي: أنه وجه سمعه، وأصغى حاسته إلى ما يتلى من الوحي وقلبه حاضر يفهم ما تسمعه الأذن، فإن السماع مع غفلة القلب سماع الذين قال الله فيهم: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}, وهكذا تضمنت هذه الآية شروط الانتفاع بالقرآن والتأثر به وإفادتها السامعين بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المطلوب، فذكرت أنه لابد من محل قابل للتأثر، وهو القلب الحي، وأنه لابد من تحصيل شرط وهو إصغاء السمع وحضور القلب، وأنه لابد من انتفاء مانع يمنع من حصول الأثر وهو انشغال القلب وذهوله) ([4]).

0 التعليقات:

إرسال تعليق